وسبب ردهم لصريح النصوص -كما في حديث جبريل: (
الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته... )- وشبهتهم في ذلك هو أنه في مبحث التعريف -الذي يسمونه التصورات في المنطق- لا يصح أن تعرف الشيء بنفسه، فلا يقال في تعريف الماء: هو الماء الذي نشرب، فهذا ليس بصحيح، فلهذا قالوا: لا يصح تعريف الإيمان بأنه أن تؤمن، ليس هذا هو المقصود، بل الأصل أن يقال: الإيمان أن تصدق، أو أن تقر؛ لتكون حقيقة الإيمان المنطقية، ولتكون الماهية.وقد قلنا: إن هذا الأصل عندنا مرفوض، وهو قولهم في الماهية، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يُسأل عن الإيمان ويجيب، ولم يكن يجيب بجواب أهل المنطق الذين يتكلمون في الماهيات المجردة، ولم يكن يجيب بجواب أهل اللغة، وما كان الصحابة يقولون: يا رسول الله! ما الإيمان في لغة العرب؟ أو: ما الإيمان كحقيقة ماهية مجردة على قواعد
أرسطو ، إنما كانوا يسألون عن الإيمان الشرعي الذي جاء به، فيقولون: أنت تدعونا إلى الإيمان، ورسلك أتونا يطلبون منا أن نؤمن، وبلغنا عنك أنك تدعو إلى الإيمان، ففسر لنا الإيمان حتى نؤمن.فالمقصود الإيمان الشرعي، فلذلك كان تفسيره: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.. إلخ، فهو الإيمان الشرعي، ولا نتكلم في الإيمان اللغوي ولا في الإيمان المنطقي الذي يبحث في التصورات أو الحدود والتعريفات. وإذا كان المنطق هو الذي أدى بهم إلى هذه المسالك؛ فالرد عليه بأحد أمرين: أن نقرر الحق من الكتاب والسنة ونقول: وما عدا هذا باطل، فنحاربه جملةً. والمحاربة الأخرى هي الرد، كما رد
شيخ الإسلام في كتابه
الرد على المنطقيين، وذلك بتفنيد مسائله، وهذا -في الحقيقة- لا يفهمه إلا من درسه، فخيرٌ أن يموت هذا العلم، ولا يبقى من يعرفه إلا المختص الذي يضطر إلى أن يقرأ كتب العقيدة والمقالات والفرق، فهذا الذي يتعلم المنطق، لا ليعمل به أو ليعتقده، لكن يتعلم اصطلاحاته ومسائله لكي يعرف كيف يرد عليها وكيف ينقضها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.